فشل الإعلام الإسرائيلي- الجزيرة، المقاومة، وعزلة نتنياهو في غزّة.

المؤلف: د. خالد عزب11.20.2025
فشل الإعلام الإسرائيلي- الجزيرة، المقاومة، وعزلة نتنياهو في غزّة.

تُجسِّد الصورة الإعلامية لإسرائيل إخفاقًا ذريعًا في إدارة حملاتها الإعلامية، ممّا أفضى إلى فشل ذريع في سياساتها الإعلامية برمتها. وقد منحت هذه التَّصدُّعات قناة الجزيرة تفوقًا ملحوظًا وهيمنة في معركة السيطرة على المشهد الإعلامي، سواء عبر شاشات التلفزيون أو شبكات التواصل الاجتماعي، على المستويين العربي والدولي. يثير هذا الواقع تساؤلات جادة حول فعالية الإعلام الإسرائيلي، للمرة الثانية منذ نشأة الكيان الإسرائيلي. ففي عام 1977، استطاع الرئيس الراحل أنور السادات أن يخطف الأضواء ويهزّ صورة إسرائيل بزيارته التاريخية للقدس، ليصبح النجم الأوحد على الأراضي الإسرائيلية، في حين تضاءلت صورة إسرائيل أمامه.

مصداقية المقاومة

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بدت المقاومة الفلسطينية وكأنها تخسر المعركة على الصعيد الدولي، في مواجهة الادعاءات الإسرائيلية، بينما تكسبها على الصعيد العربي. لكن القدرات الإعلامية للمقاومة الفلسطينية، التي اعتمدت على بث الصورة الحية والخطاب الرصين، قادت إلى تحقيق مكاسب تدريجية على الصعيدين العربي والدولي مع مرور الوقت.

لقد شكّل اغتيال حمزة الدحدوح، والتماسك الذي أظهره والده وعائلته، صورة إعلامية مؤثّرة لفتت أنظار العالم إلى استهداف إسرائيل للعائلات في غزة، وهو أمر لم يكن الإعلام الدولي يتعامل معه بالجدية الكافية. وهكذا، أصبحت الاغتيالات المتتالية لأفراد عائلة الدحدوح نمطًا متكررًا يُقاس عليه، ممّا أعطى حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة مصداقية تفوق كل الروايات الإسرائيلية التي تسعى لنفيها.

هل منيت إسرائيل بالفشل؟

الحقيقة التي يفرضها الواقع العملي أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير. فالسياسات الإعلامية لإسرائيل في الوقت الحالي تعكس قرارات مراكز صنع القرار التي لا تعمل في ظروف مثالية، بل تخضع لتأثير صراعات تاريخية ومصالح متضاربة، والكثير منها إما متجذر في الماضي، أو جامح في طموحاته، أو عنيف في ممارساته. وفي ظل هذه الظروف، فإن القرار السياسي، وبالتالي السياسات الإعلامية المترتبة عليه، تحكمه بلا شك عوامل غير مثالية!

هنالك دائمًا نقطة التقاء بين المثالي والواقع الذي يعكس المصالح، مهما كانت هذه المصالح. لذلك، فإن الدور التقليدي للسياسات الإعلامية يتمثّل في تلميع الصورة، وتبرير الأفعال، أو إنقاذ القرارات المتضاربة أو الضعيفة.

وسيط فعال

لقد تحوّلت السياسات الإعلامية إلى عالم متشابك بعوالم أخرى، فهي لم تعد مقتصرة على الأخبار ووسائل الإعلام، بل تستخدم علوم الأنثروبولوجيا والاجتماع والتاريخ، إضافة إلى التقنيات الحديثة المتطورة.

إن صياغة هذه السياسات ليست بالسهولة التي قد يتصورّها البعض، فهي تحدد للدولة أهدافها، واستراتيجيات الوصول إليها، وفلسفتها، والتغييرات الضرورية التي يجب إجراؤها في الوقت المناسب. كما أنها تلعب دور الوسيط الفعال بين الدولة والجمهور، لخلق حالة من التناغم والتأثير المتبادل الذي يخدم مصالح الطرفين.

الاهتزاز الحاصل في ثقة الجماهير برئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي يعدّ الأول من نوعه، أدى إلى فقدان الحكومة الإسرائيلية لمصداقيتها حتى على مستوى الإعلام الداخلي، وهو أمر لم تشهده إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ولا في أي حرب أخرى خاضتها.

إن أنجح السياسات هي تلك التي تقوم على إقامة علاقة متوازنة بين الجمهور والدولة. فبدلًا من أن يقتصر دور الدولة على جعل الجماهير تتكيف معها، يجب أن تتكيف الدولة نفسها مع البيئة الخارجية، بما في ذلك الجماهير المؤثرة. إن بناء علاقة استراتيجية بين الطرفين يعتمد على الفهم المتبادل والاتصال الفعال في كلا الاتجاهين، بدلًا من الاعتماد على استراتيجيات الإقناع أحادية الجانب. وتتوقف قدرة القائمين على إدارة هذه العلاقة على عوامل مختلفة مثل الاستقلالية في اتخاذ القرار، والقوة والأهمية التي تتمتع بها الجماهير، والمناخ الإعلامي السائد، والقيود القانونية والتنظيمية.

عزلة نتنياهو

كان على المسؤولين في إسرائيل عن إدارة هذه العلاقة أن يصمموا رسائل تخاطب الاحتياجات الشخصية للأفراد، ومن بين هذه الاحتياجات أن يشعر الفرد بأهميته، وأن المصلحة العامة مقدّمة على كل شيء. والفشل في القيام بذلك يتسبب في تعزيز عزلة نتنياهو وحكومته يومًا بعد يوم، حتى بدأ صوت الإسرائيليين النقدي يعلو مع وصول الجثث والجرحى من الميدان، لشعب اعتاد على عدم الخسارة في الحروب، فكيف سيقتنع بهذه المعاناة العميقة التي تمزّقه من الداخل؟

علاوة على ذلك، نجح المسلمون في الغرب، من خلال المواد التي تبثها قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية ووسائل التواصل الاجتماعي، في قلب الموازين لصالح الرؤية التي تقدمها المقاومة الفلسطينية، ممّا أدى إلى تحوّل كبير في الرأي العام الغربي. وهذا ما لم تتوقعه الحكومات الغربية بشكل كامل في بداية الحرب. لقد أصبح المسلمون جزءًا لا يتجزأ من المعادلة في الداخل الأوروبي والأميركي، وهو أمر لم يكن في حسبان مخططي السياسات الإعلامية في إسرائيل. هذا التحول قد يدفع الساسة في الغرب مستقبلًا إلى توخي الحذر الشديد في التعامل مع القضايا الحساسة في المنطقة العربية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة